قالت هو من عند الله
لِنَرَ
الآن هذه الطفلة الجميلة المطهرة "مريم البتول" وماذا قالت حين دخل عليها
زكريا محرابها الذي كانت تتعبد فيه؟ يقول رب العالمين: {فَتَقَبَّلَهَا
رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا
زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ
عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ
عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل
عمران: 37].
انظروا "مريم بنت عمران" التي اصطفاها ربها
وطهرها واصطفاها على نساء العالمين وكيف حباها الله بنعمة القنوت ووهبها
جمال الطاعة وروعة الصورة، وهو الذي تقبَّلها من قبل أن تكون شيئًا
مذكورًا.. أحبها الله وألقى عليها القبول فأحبتها ملائكته وأحبها من في
الأرض؛ في حين نشأتها التي صورها لنا الرحمن أبدع التصوير، كأنها النبت
الطيب الحسن الذي يعجب الزراع من حسنه؛ إن في بذرتها العبادة وسقياها
التقوى وفي نمائها العفة والحياء؛ فكان بفضل من الله أن تولى رعايتها نبي
كريم من بني إسرائيل رزقه الله علم الدين والدنيا هو زكريا عليه السلام..
كان يسارع في الخيرات وكان هو وأهله يدعون ربهم رغبًا ورهبًا وهم لله
خاشعون..
سعد زكريا - عليه السلام - بالبتول "مريم" وهي تكبر أمام
عينيه، فرعاها حق الرعاية، وعاش على يقين من ربه السميع العليم، فزاده الرب
طول الدعاء بأمل لا قنوط فيه.. كان عبدًا قانتا يعلم أن الله لا يضيع أجر
من أحسن عملا، وقد وجد في "مريم" الورع والصبر وقوة التحمل في خدمة بيت
المقدس، فرباها وعلمها من الدين وأحسن كفالتها؛ فصار كل من يراها يحبها
وينعتها بالعذراء الطاهرة، كلما دخل عليها زكريا المحراب - وهو موضع خلوتها
الذي كانت تقنت وتسجد وتركع فيه لرب العالمين - وجد عندها ما يكفيها من
طعام طيب وشراب، وفي مرة سألها: يا مريم .. من أين لكِ هذا الرزق الوفير
المبارك؟ قالت بكل يسر واطمئنان: هو من عند الله؛ إن الله يرزق من يشاء
بغير حساب.. ولقد صَدَقَت، وقد أحسن الله لها رزقها وهو خير الرازقين.
قَنَتَتْ في بيت الله، فلم يُلْهِهَا شيءٌ عن ذِكْر الله؛ فزادها من فضله ورزقها بغير حساب.